التضامن الفعلي


العدوان الإسرائيلى على لبنان فى هذه الصائفة أعاد الى أذهاننا ضرورة تفعيل التضامن و التعاون مع إخواننا فى لبنان و فلسطين و بقاع أخرى، فكثيرون من هبوا لمد يد العون لضحايا العدوان الغاشم و فى خضم الهبة العظيمة التى إكتسحت العالم الإسلامى من أقصاه الى أقصاه، تعالت أصوات تطالب بتغيير تعاملنا مع إخواننا المظلومين فى لبنان و فلسطين و العراق. و يجب أن يطال هذا التغيير مفهوم التضامن ذاته، فمنذ أكثر من قرن أى منذ أن تقرر فى الغرب الإستيلاء على ممتلكات الرجل المريض و المسلمون عرضة للنهب و السلب و الإحتلال و قد حرموا من أبسط حقوقهم و ما تجند المسلمين فى حرب 1948 لنجدة إخوانهم الفلسطينيين إلا مظهر من مظاهر التضامن. لكن فى عصرنا الحالى و بعد حوالى ستة أو سبعة عقود و بعد حصول معظم الشعوب العربية و المسلمة على إستقلالها السياسى الناقص و إذا ما أردنا تقييم نوعية التضامن مع قضايا شعوبنا المضطهدة سنقف على حقيقة مرعبة : إنخفض سقف التآخى الى مستوى رهيب و بات المواطن العربى و المسلم رهينة تيارات و أحداث تضيق عليه، فتغدو عملية التضامن مغامرة حقيقية خاصة بعد ما تولت الولايات المتحدة الأمريكية مهمة تجفيف منابع الإغاثة المادية بغلقها لقائمة طويلة من الجمعيات الخيرية التى كانت تنشط فى سبيل التخفيف من آلام و حرمان مئات الآلاف من المظلومين إن لم نقل الملايين. و اللافت للإنتباه أن التضامن كفعل جماعى منظم فى ديارنا يفتقر الى إستراتيجية عمل و الى قوانين و نظم تتيح له التواجد الفعلى داخليا و خاريجيا. فمن غير المفهوم هذا التقصير، ففى عالمنا العربى و الإسلامى حجم الفقر و الظلم لا يوصف، معنى ذلك أننا فى أمس الحاجة الى تكثيف جهود التضامن و المساندة و تسخير كل الإمكانات و المال و الظروف للإنتصار الى شريحة مظلومة واسعة، فالعدوان الأخير على لبنان و غزة و الضفة الغربية تسبب فى مآسى و لابد لنا من سد حاجيات و إحتياجات أناس حرموا من أسباب العيش الكريم، فالبني التحتية فى فلسطين و لبنان مدمرة و من المهين لنا أن تتواجد المنظمات الإنسانية الغربية بقوة فى ميدان هو ميداننا، فلنا أن نعيد التفكير فى كيفية تلبية نداءات الإستغاثة و جعل من فعل التضامن فعلا يوميا، نقوم به بشكل عفوي و التضامن يتخذ مظاهر عديدة من مد يد المساعدة المباشرة الى تنبيه الرأى العام العالمى لما يكابده بشر من قهر و جبروت. كيف تنتصر قضية اذا ما تنسى فى الأدراج و لا نتذكرها إلا بعد تطور خطير ؟ فالشعب الفلسطينى وحده يكابد منذ قرابة سبعة عقود تهميش قاس و إنكار لأبسط حقوقه. فقسم كبير من هذا الشعب لا يجد ما يسد به الرمق أو ما يعالج به جراح أبناءه ؟ و الحملات للتبرع تدار فى مناسبات متباعدة، لا تفي بالمطلوب، و اليوم أكثر من أى وقت مضى يعانى الشعب فى الأرض المحتلة من حصار لاإنسانى غير مقبول بما أن كل المساعدات الموجهة للحكومة الفلسطينية لا تصل، و قوافل المساعدة لا تدخل قطاع غزة لإغلاق سلطات الإحتلال لمعبر رفح و البنوك العربية بإيعاز من الأنظمة و تحت ضغط البيت الأبيض الأسود لا تدفع الأموال المستحقة للمعنيين بالأمر فى حكومة حماس الأولى و الثانية!!! لنتصور الوضع القائم فى فلسطين؟!! و لا نملك الى حد الآن خطة نواجه بها هذا الواقع المفروض على أناس عزل!! كيف نوصل أموال ترفض البنوك العربية دفعها الى المعنيين!! كيف نتضامن و فعل التضامن صار مرادفا لجريمة الإرهاب؟ أمريكا و من يدور فى فلكها يريدون لنا أن نشاهد دون حراك إبادة شعب بالموت البطىء المسلط عليه، يتوجب علينا رفض المشاركة فى الجريمة بخلق نموذج من المقاومة الإيجابية. شجعت من سنين التكفل بتكاليف دراسة أطفال فلسطين و اليوم أشجع القيام بخطوات أجدى كالضغط على البنوك العربية لتصب الأموال فى الخزينة الفلسطينية، نستطيع ذلك بتحسيس الرأى العام، كثيرون من هم مستعدون للإنتقال من مرحلة التضامن الشفوى الذى لا يبلسم الجراح الى مرحلة التضامن الفعلي عبر الجهاد المدني مثلا. لما لا يقدم المسلم عوض أن يسافر فى عطله ثمن التذاكر و المبيت للجمعيات الخيرية؟ كمساهمة منه فى رفع الضيم على إخوانه، بهذه المبادرات الشخصية المتواصلة نستطيع أن نبنى مصيرا كريما لكل الملهوفين المكلومين، فلنا أن نثابر و نصدق النية و نصنع بأيدينا و عقولنا يوميات التضامن العربى و الإسلامى.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

C'est le printemps !

Marine Le Pen devrait être présidentiable

Et la vie continue à Sarajevo...